الفرق بين الامام أحمد وبين دعاة الفتنة في هذا العصر

خير من الفتنة العامة

مقطع من خطبة جمعة للشيخ محمد سعيد رسلان 
ألقاها في 14 شعبان 1432هـ / 15-7-2011م


عندما كنا نقول: (احذروا الفوضى.. اصبروا حتى يستريح بَرّ، أو يُستراح من فاجر)، ما كنا نعلم الغيب وما كانت من نبوءة، وإنما هي نصوص الشرع ومنهج السلف ومنهاج النبوة وقول الأئمة.
نظرنا إلى حال الامام أحمد لما أتى إليه فقهاء بغداد يؤامرونه على الخروج على "الواثق"، وكان يأتي بأعمال كفرية: يقتل العلماء الذين يقولون (القرآن كلام الله، ورؤية الله في الآخرة ثابتة)، كان يقتلهم بيده كما فعل مع أحمد بن نصر. ويسجن من يسجن حتى يموت في سجنه كالبوَيطي الامام رحمه الله، وكأبي نُعَيم رحمه الله. والإمام أحمد محددة إقامته، ممنوع من التحديث والتعليم. ولا يرقى منبراً ولا يجلس في مسجد لتعليمٍ ولا في مكتب لتعليم القرآن المجيد أحدٌ إلا من قال: (القرآن مخلوق) وقال بقول الجهم بن صفوان.
هذا ضلال مبين! يحمل الأمة عليه بحد السيف ووقع السوط.
أعظم ما يكون الدعاء إلى البدعة!
فجاء الفقهاء إلى الإمام يؤامرونه في الخروج على "الواثق"، وقد أصاب الامام رحمة الله عليه من الأذى ما أصابه. ضُرِب ضرباً، قال الطبيب المعالج: (رأيت من ضُرِب ألف سوط، فلم أرَ أحداً ضُرِب كهذا الضرب!). وأُغشي عليه، ودِيسَ بالأقدام من الجنود ذهاباً وإياباً، وحُمِلَ إلى سجنه، وهو صائم. وأُوذي بعد ذلك ما أوذي.
وكان المأمون عندما أرسل إلى واليه على بغداد يأمره أن يُسَيِّر إليه أحمد بن حنبل، كما في تاريخ الطبري: (أرسل إليَّ ذلك الجاهل أحمد بن حنبل).
أوذي.. لم ينتصر لنفسه.. لم يقل: (لي ثارٌ عند الدولة.. حبستني وضربتني ومنعتني من التعليم ومن التحديث، وشوهت صورتي). لم يفعل لأنه كان سَوِيَّ النفس.
أما المشوهون باطناً فهؤلاء قوم لا يُلتفت إليهم! هؤلاء كالذباب! يُصَفُّون حسابات.
أما أحمد فقال للفقهاء: (لا. اتقوا الله. إنها الفتنة)
قالوا: (يا أبا عبدالله.. وأي فتنة هي أكبر مما نحن فيه؟!!)
قال: (الفتنة العامة.. تُقطع السُبُل، تُهَدَّم الدور، تُنتهك الأعراض، تُسلب الأموال، تُغَلَّق المساجد، يضيع الدين.. هي الفتنة العامة)
فما زال يقول لهم: (اتقوا الله واصبروا يَسْلم لكم دينكم)؛ الصبر على هذا ويسلم لك دينك، خير من هذا الذي تريد؛ ما زال بهم حتى تبعوا رأيه، ولم يلبث "الواثق" إلا يسيراً حتى مات، وجاء الله بـ "المتوكل" رحمه الله فنصر السنة ورفع المحنة، وانقمع الجهمية والمعتزلة والمبتدعة، وأعز اللهُ دينَه.
كنا نقول للناس: (اتقوا الله، لا تُدخلوا الأمة في الفوضى، لا تحركوا القاعدة الشعبية). فالناس يعانون من الفقر والظلم والحاجة، فلا تضعوهم على المِحَكِّ بقولكم (هذا من الدين، يأمر به الكتاب وتأمر به السنة وهو فعل الأئمة)، وكذبوا على الله ورسوله.
كنا نقول: (لا تحركوا القاعدة الشعبية ولا تقلقلوها، فإن العوام إذا خرجوا لا يمكن أن ينقمعوا). اتقوا الله، لا تضيعوا الدين، لا تضيعوا الأرض.
واليوم، كلٌ يطمع في جزء منها، لتكون له ديناً، وصراطاً غير مستقيم!
عندما كنا نقول لهم ذلك، كانوا يقولون: (يدافع عن الظلم، يدافع عن الفساد!)، وحاشى لله.
ويعلم الله الذي رفع السماء بلا عَمَد، ما بنا من دفاع عن ظلم مهما صَغُر، ولا عن فساد مهما دقَّ، وإنما هي حرب الظلم وحرب الفساد بمنهاج النبوة، بمنهج الأنبياء، بمنهج السلف، بقال الله قال رسوله قال الصحابة. لا بالأهواء ولا بردود الأفعال ولا بتخليص الثارات.
وما أكثر ما قلتُ: (اصبروا، حتى يستريح بَرٌّ ويستراح من فاجر)، كما قال إمامنا العظيم إمام أهل السنة: الإمام أحمد، فلم يلبثوا إلا يسيراً حتى أذهب اللهُ "الواثق" مع استقرار الأمة، مع استقرار الدولة، مع حفظ هيبتها داخلياً وخارجياً، مع انقماع الأطماع في مكامنها. وجاء الله بـ "المتوكل"، جاء بالفرج.
ولكنكم قوم تستعجلون.
فإلى الله المشتكى، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

رابط المقطع الصوتي: