إذا ما ضاقت الدّنيا عليكم...
إذا ما ضاقت الدّنيا عليكمْ *** وصرْتَ مكبّلا فِي كلّ ضيقِ
وضاعتْ نفسُكمْ مِنكمْ وتاهَتْ *** حِيالَ الهمّ في واد سحيقِ
وهذا الحزنُ مَرماكُم فأنتمْ *** أتيتُم تضْربوهُ بمنجَنيقِ
إذا ما الغمُّ أجزعكُم وأودَى *** بكم يوما إلى بَحرٍ عَميقِ
وأضعَفَ قلبَكم خوفٌ وشكٌ *** وأحرقَ عزمَكم لهَبُ الحَريقِ
فلا تبأسْ وتيأسْ يا ذُؤيبا *** ودَعْك من التّنهّدِ يا صَديقِي
وكنْ ذِئبا لِحَادِثة الليالي *** فيَفْرقُ منكمُ كلبُ الطّريقِ
وإنْ باريتَ بحْرا من همومٍ *** فإن البحْرَ فيكُم كالغريقِ
وأنتَ تضيءُ لمّاعا ضياءً *** ونوركُمُ أشدُّ من البريقِ
فشُدّ العزمَ واجعلْهُ حديدا *** ولا تجعلْ سبيلا للمُعيقِ
فليلُك فابكهِ والدمعُ يجرِيْ *** على الخدّينِ في خطّ دقيقِ
سكونُ الليلِ يكسِرُه بكاءٌ *** لكمْ صوتُ الزّفيرِ معَ الشّهيقِ
ألا فلتبكِ يا خلّي مِرَارا *** وذوقوا من دموعِ المستفيقِ
كتابُ اللهِ فاصْحَبْهُ ورتّلْ *** كلامَ اللهِ في قلبٍ رقيقِ
وأسبِلْ دمعةً تطفيْ ذنوبا *** لظى النّيرانِ من دَهرٍ عَريقِ
إليْك وصيّتي هَذِيْ فخُذْها *** وصيّةَ صاحِبٍ خِلٍ شَفيقِ
صَديقيْ أنتَ يا نُورا لعَيني *** وقلبي قلبُكُم قلبُ الشّقيق
وما أقسَى الفراقَ بدارِ قومٍ *** إذا لم يجتمِعْ شملُ الفريقِ
إذا فارقتُمُ الدّنيا سأبكيْ *** وإن متْنا ستبْكيْ يَا رفيقِي
وما بفِراقِنا بأسٌ إذا ما *** تجمّعْنا كتجميعِ الرّحيقِ
بلى عند الصراطِ إذا التقينا *** فمن هاوٍ يمرّ ومن عتيقِ
فهَذا مُنعَمٌ بجنانِ خُلدٍ *** وهذا بيتُه نارُ الحريقِ
نريدُ لقاءَكم في دار عدْنٍ *** غدا عند الإلهِ لُقىً حقيقي
فإن كانتْ محبّتُنا لهَذا *** فنعْم صَدَاقتِي وكَذا صديقِي
(أبو عبدالله الرياني)