نجد.. قرن الشيطان

نجد

لا عجب أن يجتمع جيش الجهل والشرك والنّفاق في وجه دعوة الشيخ محمّد بن عبدالوهاب رحمه الله تعالى، كيف لا وقد جاء بمثل ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وجاء يدعو إلى ما دعت إليه جميع رسل الله عليهم الصلاة والسلام، دعوة توحيد الله تعالى وحده، ونبذ الشرك.
ولمّا كان أعداء الحق وخصوم التوحيد والسنّة مفلسين في ميادين الحجج النقلية الصحيحة والعقلية الرجيحة، أخذوا يتشبثون ويستمسكون بما هو أوهن من بيت العنكبوت من الشبه الفاسدة والآراء الكاسدة للطعن في دعاة التوحيد والسنّة، فادعوا على الشيخ محمد بن عبدالوهاب وعلى دعوته دعاوى لا يهضمها إلا من حرمه الله تعالى نعمة العقل السليم والفهم الصحيح!
ومن ذلك، تنزيلهم لحديث "قرن الشيطان" على الشيخ رحمه الله تعالى، في محاولة للطعن فيه والتحذير منه!!

روى البخاري في صحيحه (7094):
حدثنا علي بن عبدالله حدثنا أزهر بن سعد عن ابن عون عن نافع عن ابن عمر قال ذكر النبي صلى الله عليه وسلم: ((اللهم بارك لنا في شأمنا، اللهم بارك لنا في يمننا)). قالوا: وفي نجدنا. قال: ((اللهم بارك لنا في شأمنا، اللهم بارك لنا في يمننا)). قالوا: يا رسول الله وفي نجدنا. فأظنه قال في الثالثة: ((هناك الزلازل والفتن، وبها يطلع قرن الشيطان))


وروى البخاري في صحيحه (7092):
حدثني عبد الله بن محمد حدثنا هشام بن يوسف عن معمر عن الزهري عن سالم عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قام إلى جنب المنبر فقال: ((الفتنة هاهنا، الفتنة هاهنا من حيث يطلع قرن الشيطان)) أو قال: ((قرن الشمس))

ولكن.. هل المقصود هو نجد الحجاز أم العراق؟
فلنأخذ الفهم الصحيح من السلف والعلماء..

من الأمور التي يجب ذكرها في هذا المقام أنّ جميع طرق حديث (الفتنة من قبل المشرق) جاءت عن عبدالله ابن عمر رضي الله تعالى عنهما، وقد صحّ عنه أنّه حمل الحديث على العراق وأهله، وراوي الحديث أدرى وأعلم بما يروي...

فهم ابن عمر رضي الله عنهما لـ "نجد":
روى مسلم في صحيحه (7481):
حدثنا عبدالله بن عمر بن أبان ‏ ‏وواصل بن عبدالأعلى ‏‏وأحمد بن عمر الوكيعي ‏- واللفظ ‏ ‏لابن أبان -‏ ‏قالوا حدثنا ‏‏ابن فضيل ‏‏عن ‏ ‏أبيه ‏ ‏قال سمعت ‏سالم بن عبدالله بن عمر ‏‏يقول: يا أهل العراق ‏ما أسألَكم عن الصغيرة وأركبكم للكبيرة، ‏سمعت ‏أبي عبدالله بن عمر‏ ‏يقول: ‏سمعت رسول الله ‏صلى الله عليه وسلم ‏‏يقول: "إن الفتنة تجيء من هاهنا وأومأ بيده نحو المشرق من حيث يطلع قرنا الشيطان". وأنتم يضرب بعضكم رقاب بعض، وإنما قتل ‏موسى ‏‏الذي قتل من آل ‏‏فرعون ‏خطأ، فقال الله عز وجل له ‏"وقتلت نفسًا فنجيناك من الغم وفتناك فتونًا"


"نجد" في اللغة:
أصل النجد ما ارتفع من الارض، وهو خلاف الغور. (كما قاله علماء اللغة)
1) مختار الصحاح (1/269) قال في مادة ن ج د: النَّجْدُ ما ارتفع من الأرض، والجمع نِجَادٌ بالكسر و نُجُودٌ و أَنْجُدٌ و النَّجْدُ الطريق المرتفع... ونَجْدٌ من بلاد العرب وهو خِلاف الغور، فالغور تِهَامة، وكل ما ارتفع عن تِهَامة إلى أرض العِراق فهو نَجْد وهو مُذَّكر.
2) النهاية في غريب الحديث (5/19): والنَّجْد ما ارتفع من الأرض، وهو اسم خاص لما دون الحجاز مما يلي العِراق.
3) الغريب للخطابي (2/146): نجد البلاد وهو ما علا وارتفع من الأرض.

بالإضافة إلى ذلك، فعند العرب نجود كثيرة ذكرها الحموي في معجم البلدان: (5/265) وصاحب تاج العروس (2/509) وذكروا منها: نجد البرق باليمامة ونجد خال ونجد اجاء ونجد العقاب بدمشق ونجد اليمن ونجد الحجاز ونجد العراق...



فهم العلماء لـ "نجد":

قال الإمام ابن عبدالبر (ت 463هـ):
فأخبر صلى الله عليه وسلم عن إقبال الفتن من ناحية المشرق، وكذلك أكثر الفتن من المشرق انبعثت وبها كانت نحو الجمل وصفين وقتل الحسين وغير ذلك مما المطلوب ذكره مما كان بعد ذلك من الفتن بالعراق وخراسان إلى اليوم. وقد كانت الفتن في كل ناحية من نواحي الإسلام ولكنها بالمشرق أكثر أبدًا، ومثل هذا الحديث قوله صلى الله عليه وسلم: ((إني أرى مواقع الفتن خلال بيوتكم كمواقع القطر))، وقد يحتمل أن تكون الفتنة في هذا الحديث معناها الكفر وكانت المشرق يومئذ دار كفر فأشار إليها.
(التمهيد 17/12 وزارة عموم الأوقاف والشؤون الإسلامية المغرب سنة 1387 تحقيق مصطفى العلوي ومحمد البكري)

قال الكرماني (ت 786هـ) في شرحه للبخاري:
ومن كان بالمدينة الطيبة - صلى الله على ساكنها وسلم - كان نجده بادية العراق، وهي مشرق أهلها.
(الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري 168/24)

قال الحافظ ابن حجر العسقلاني (ت 852هـ):
قال الخطابي: نجد من جهة المشرق ومن كان بالمدينة كان نجده بادية العراق ونواحيها وهي مشرق أهل المدينة، وأصل النجد ما ارتفع من الأرض وهو خلاف الغور فإنه ما انخفض منها، وتهامة كلها من الغور، ومكة من تهامة. انتهى.
وعرف بهذا وهاء ما قاله الداودي ان نجدًا من ناحية العراق، فإنه توهم ان نجدًا موضع مخصوص وليس كذلك، بل كل شيء ارتفع بالنسبة الى ما يليه يسمى المرتفع نجدًا والمنخفض غورًا. اهـ
(فتح الباري 47/13 دار المعرفة بيروت، سنة 1379 تحقيق محمد فؤاد عبدالباقي ومحب الدين الخطيب)

قال أبو العبّاس شهاب الدين القسطلاّني (ت 923هـ):
وإنّما أشار عليه الصلاة والسلام إلى المشرق لأنّ أهله يومئذ أهل كفر، فأخبر أنّ الفتنة تكون من تلك النّاحية. وكذا وقع، فكان وقعة الجمل ووقعة صفين ثمّ ظهور الخوارج في أرض نجد والعراق وما وراءها من المشرق، وكان أصل ذلك كلّه وسببه قتل عثمان بن عفّان رضي الله عنه. وهذا علم من أعلام نبوته صلى الله عليه وسلّم وشرف وكرم. اهـ 
(إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري 10/18 دار الكتاب العربي ط7 سنة 1323هـ)


قال شيخ الإسلام ابن تيمية (ت 728هـ):
هذه لغة أهل المدينة النبوية في ذاك الزمان، كانوا يسمون أهل نجد والعراق أهل المشرق.
(مجموع الفتاوى 41/27)


جاء في الموطأ للإمام مالك رحمه الله تعالى:
باب ما جاء في المشرق 
1794- حدثني مالك عن عبدالله بن دينار عن عبدالله بن عمر انه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يشير إلى المشرق ويقول: ها إن الفتنة ههنا، إن الفتنة ههنا من حيث يطلع قرن الشيطان.
1795- وحدّثني مالك أنّه بلغه أنّ عمر بن الخطّاب أراد الخروج إلى العراق فقال له كعب الأحبار: لا تخرج إليها يا أمير المؤمنين، فإنّ بها تسعة أعشار السّحر وبها فسقة الجنّ وبها الداء العضال.
(موطأ الامام مالك - باب: ما جاء في المشرق)

فأنت ترى أنّ الإمام مالك رحمه الله تعالى قد فهم قول النبي صلى الله عليه وسلّم ((المشرق)) في الحديث على أنّه العراق لا نجد اليمامة المعروفة اليوم، بدليل أنّه أورد عقب حديث مطلع قرن الشيطان خبر خروج عمر بن الخطّاب إلى العراق! فهل من مدّكر؟!

وقد جاء التصريح بكون مطلع قرني الشيطان وموضع الزلازل والفتن هو العراق لا نجد اليمامة من الجزيرة العربية المعروفة اليوم:
قال صلى الله عليه وسلم: "اللهم بارك لنا في مكتنا اللهم بارك لنا في مدينتنا اللهم بارك لنا في شامنا وبارك لنا في صاعنا وبارك لنا في مدنا. فقال رجل: يا رسول الله وفي عراقنا. فأعرض عنه فرددها ثلاثا كل ذلك يقول الرجل وفي عراقنا فيعرض عنه، فقال: بها الزلازل والفتن وفيها يطلع قرن الشيطان"
صححه الشيخ الألباني في الصحيحة (2246) وقال: "وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين".
قال الشيخ الألباني بعد الإفاضة في تخريج الحديث:
"وإنما أفضت في تخريج هذا الحديث الصحيح وذكر طرقه وبعض ألفاظه لأن بعض المبتدعة المحاربين للسنة والمنحرفين عن التوحيد يطعنون في الإمام محمد بن عبدالوهاب مجدد دعوة التوحيد في الجزيرة العربية، ويحملون الحديث عليه باعتباره من بلاد (نجد) المعروفة اليوم بهذا الاسم، وجهلوا أو تجاهلوا أنها ليست هي المقصودة بهذا الحديث، وإنما هي (العراق) كما دل عليه أكثر طرق الحديث، وبذلك قال العلماء قديماً كالإمام الخطابي وابن حجر العسقلاني وغيرهم. وجهلوا أيضاً أن كون الرجل من بعض البلاد المذمومة لا يستلزم أنه هو مذموم أيضاً إذا كان صالحاً في نفسه، والعكس بالعكس، فكم في مكة والمدينة والشام من فاسق وفاجر، وفي العراق من عالم وصالح، وما أحكم قول سلمان الفارسي لأبي الدرداء حينما دعاه أن يهاجر من العراق إلى الشام:
"أما بعد، فإن الأرض المقدسة لا تقدس أحداً، وإنما يقدس الإنسان عمله".
وفي مقابل أولئك المبتدعة من أنكر الحديث وحكم عليه بالوضع لما فيه من ذم العراق كما فعل الأستاذ صلاح الدين المنجد في مقدمته على (فضائل الشام ودمشق) ورددت عليه في تخريجي لأحاديثه، وأثبت أن الحديث من معجزاته صلى الله عليه وسلم العلمية، فانظر الحديث الثامن منه". ا.هــ.
(السلسلة الصحيحة (5/306) ح 2247)

فأي حجة تبقى بعد ذلك لمن استدل بهذا الحديث على ذم الشيخ محمد بن عبدالوهاب او غيره؟! أهكذا تُفَسَّرُ الأحاديث النبوية، بالهوى والتشهي؟! وهكذا تحول الأحاديث لأغراض مذهبية أو عنصرية أو طائفية؟!!

والله تعالى أعلم

 
المصادر: