اللص الفقيه - قصة ظريفة

قصة الحرامي الذكي

قال أحمد بن المعدل البصري: كنت جالِساً عِنْد عبدالملِك بن عبدالعزيز المَاجشون، فجاءَهُ بعض جُلسائِهِ فقال: أعجوبة !
قال: ما هِيَ؟!
قال: خرجت إلى حائطي بالغابة، فلمَّا أن أصحرت وبعدت عن البيوت، بيوت المدينة، تعرَّض لي رجل فقال: اخلع ثيابك !
فقلت: وما يدعوني إِلى خلع ثيابي؟!
قال: أنا أولى بها منك.
قلت: ومن أين؟!
قال: لأَني أخوك وأنا عُرْيان وأنت مكسو.
قلت: فالمواساة !
قال: كلا، قد لبستَها بُرْهة، وأنا أرِيد أن ألبسها كما لبستَها.
قلت: فتعريني وتُبْدي عورتي؟!
 قال: لا بَأس بذلك، قد روينا عن مالك أنه قال: لا بَأْس للرجل أن يغتسل عُرياناً.
قلت: فيلقاني النَّاس فيرون عورتي !
قال: لو كان النَّاس يرونك في هذه الطريق ما عرضتُ لك فيها. 
فقلت: أراك ظريفاً، فدَعْني حتى أمضي إلى حائطي وانزع هذه الثياب فأوجه بها إليك.
قال: كلا، أردتَ أن توجه إليَّ أرْبعة من عبيدك فيحملوني إلى السلطان فيحبسني ويمزق جلدي ويطرح في رجلي القيد.
قلت: كلا، أحلف لك ايمانًا أني أوفي لك بما وعدتك ولا أسوءك.
قال: كلا، إِنَّا روينا عن مالك أنه قال: لا تلزم الأيْمان التي يُحلف بها لِلُّصُوص.
قلت: فأحلف أني لا أحتال في أيماني هذه.
قال: هذه يمين مركبة على أيمان اللصوص.
قلت: فدع المناظرة بيننا، فوالله لأوجهن إليك هذه الثياب طيِّبَة بها نفسي !
فأَطْرَق ثمَّ رفع رَأسه وقال: تدري فيم فكرتُ؟
قلت: لا.
قال: تصفحتُ أمر اللصوص من عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى وقتنا هذا، فلم أجد لصاً أخذ نسيئة، وأكره أن أبتدع في الإسلام بدعة يكون عليَّ وزرها ووزر من عمل بها بعدي إلى يوم القيامة. اخلع ثِيابك. 
قال: فخلعتها ودفعتها إليه، فأخذها وانصرَف !


(كتاب الأذكياء لابن الجوزي ص245 / طبعة دار ابن حزم)