من أسباب حفظ الخواطر

ابن قيم الجوزية

فإن قلت: فما الطريق الى حفظ الخواطر؟
قلت: أسباب عدة:

أحدها: العلم الجازم باطلاع الرب ونظره الى قلبك وعلمه بتفصيل خواطرك.

الثاني: حياؤك منه.

الثالث: إجلالك له أن يرى مثل تلك الخواطر في بيته الذي خلقه لمعرفته ومحبته.

الرابع: خوفك منه أن تسقط من عينه بتلك الخواطر.

الخامس: إيثارك له أن تساكن قلبك غير محبته.

السادس: خشيتك أن تتولد تلك الخواطر ويستعر شرارها فتأكل ما في القلب من الايمان ومحبة الله، فتذهب به جملة وأنت لا تشعر.

السابع: أن تعلم أن تلك الخواطر بمنزلة الحَب الذي يُلقى للطائر ليُصاد به، فاعلم أن كل خاطر منها فهو حبة في فخ منصوب لصيدك وأنت لا تشعر.

الثامن: أن تعلم أن تلك الخواطر الرديئة لا تجتمع هي وخواطر الايمان ودواعي المحبة والإنابة أصلاً، بل هي ضدها من كل وجه، وما اجتمعا في قلب إلا وغلب أحدهما صاحبه وأخرجه واستوطن مكانه. فما الظن بقلب غلبت خواطر النفس والشيطان فيه خواطر الايمان والمعرفة والمحبة فأخرجتها واستوطنت مكانها؟! لكن لو كان للقلب حياة لشعر بألم ذلك وأحس بمصابه.

التاسع: أن يعلم أن تلك الخواطر بحر من بحور الخيال لا ساحل له، فإذا دخل القلب في غمراته غرق فيه وتاه في ظلماته، فيطلب الخلاص منه فلا يجد إليه سبيلاً، فقلبٌ تملكه الخواطر بعيد من الفلاح، معذبٌ مشغول بما لا يفيد.

العاشر: أن تلك الخواطر هي وادي الحمقى وأماني الجاهلين، فلا تثمر لصاحبها إلا الندامة والخزي، وإذا غلبت على القلب أورثته الوساوس وعزلته عن سلطانها، وأفسدت عليه رعيته وألقته في الأسر الطويل، كما أن هذا معلوم في الخواطر النفسانية.


[طريق الهجرتين لابن القيم ص221]