ما عندكم ينفد

ما عِندَكُمْ يَنفَدُ ۖ وَمَا عِندَ اللهِ باقٍ ۗ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِين صَبَرُوا أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ
(سورة النحل، الآية: 96)
 
ما عندكم ينفد

قال الشيخ السعدي - رحمه الله - في تفسيره:
فآثروا ما يبقى على ما يفنى، فإن الذي عندكم ولو كثر جدا لا بد أن {يَنْفَدُ} ويفنى، {وَمَا عِنْدَ اللهِ بَاقٍ} ببقائه لا يفنى ولا يزول. فليس بعاقل من آثر الفاني الخسيس على الباقي النفيس وهذا كقوله تعالى: {بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى} {وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرَارِ}. وفي هذا الحث والترغيب على الزهد في الدنيا، خصوصا الزهد المتعين وهو الزهد فيما يكون ضررا على العبد ويوجب له الاشتغال عما أوجب الله عليه وتقديمه على حق الله، فإن هذا الزهد واجب.
ومن الدواعي للزهد أن يقابل العبد لذات الدنيا وشهواتها بخيرات الآخرة، فإنه يجد من الفرق والتفاوت ما يدعوه إلى إيثار أعلى الأمرين. [وليس الزهد الممدوح هو الانقطاع للعبادات القاصرة كالصلاة والصيام والذكر ونحوها، بل لا يكون العبد زاهدا زهدا صحيحا حتى يقوم بما يقدر عليه من الأوامر الشرعية الظاهرة والباطنة، ومن الدعوة إلى الله وإلى دينه بالقول والفعل، فالزهد الحقيقي هو الزهد فيما لا ينفع في الدين والدنيا، والرغبة والسعي في كل ما ينفع] {وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا} على طاعة الله وعن معصيته، وفطموا نفوسهم عن الشهوات الدنيوية المضرة بدينهم {أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلونَ} الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، فإن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا.